قطة، قهوة، و الكثير من أظرف الرسائل المبعثرة
غرفه قديمة بأثاث رثٍّ و جدران انكشطت من عليها الأصباغ
و رائحة رسائل عفنه لم يزلها شباك غرفته الوحيد
غيمة سوداء ارتسمت على سقفه من سموم دخانه
عجبًا لرئته
زوايا الغرفه تراكمت عليها أوراق مصفرة إنكمشت أطرافها
كان دائمًا ما يسكب قهوته عليها
لا يبالي
هو اليوم ، النقيض لذاك السيد المبتهج ، ذاك المفعم بالحياة تلك الشخصية التي إنسلخ منها جلده
و علقها على شمّاعه .
في غرفة كالسجن ، قلمه الذي سال حبره ،
فنجان، قهوته ترسبت مكونه مستنقعات في قعره ، كرسي خشبي صريره يصم الآذان، مع كل رياح تتسلل و أظرف متناثره في الغرفة .
بخفه يتراقص في خطواته ، كأن الله لم يخلق له قدم ، يطفو على أرضيه الغرفة ،
باصبعٍ سادس يغرسه في كفّه اليمين في مكانه المعتاد ، يده متخشبه على غير العادة ، تصدر أصابعه فرقعه مدويه عندما إلتفت حول القلم ، حسنًا تكورت يده اليمنى مشكله قبضه حول قلمه الذي نزف حبره ملطخًا الطاولة ، الطاولة تشربته منذ مدة ، شهرٌ رُبما ..
- أين أكتب ؟ أين أتقيأ تلك الكلمات ، اللعنه لا توجد ورقه واحد صالحه للكتابه !! تبًا
و أخذ يخبط بيديه على الطاولة ، لا يلمس شيئًا
حتّى قطع نهر الشتائم طرقات الباب ، ثلاث طرقات لم يرافقها سوى نداء فتى باسم السيد " ميكليه " يكاد يسقط الباب مع كل طرقه، لم يبقى سوى مفصل واحد، بأعجوبة يتشبث ممسكًا الباب من الإنهيار .
لم يتزحزح من مكانه بل حتى لم يكبد نفسه عناء الإلتفات صرخ سائلًا من هناك ... لم يجبه أحد ... حتّى الصدى لم يعره انتباهًا
- أيها الأطفال الملاعين إياكم و العودة مره أخرى !!
على ظهر صوره قديمه ممزقه من الوسط ، إستل قلمه النازف : (لا أعلم كم الساعة الآن ، لكنّ التوليب يضبط عقاربه على ضحكاتك) ، كما إعتاد أن يبدأ جميع رسائله ، و من ثم تبخر دماغه في هواء الغرفة الملوث ، غزت غرفته أسراب الذباب ، فليغتاتوا على بقايا أفكاره و رماد مشاعره و جسده ..
تسمّر على كرسيه ، نبتت الجذور منه ،
إلتحم مع الكرسي حتّى أصبحا كيانًا واحِدًا .... لا يشعر بملامسة الكرسي ، ولا بذاك المسمار الذي إعتاد على تنبيه
" أطلت الجلوس ، أكثرت الكِتابة "
لا يعلم عنوانها الجديد ، ولا رقم الرسالة ، لا يذكر تاريخ اليوم حتّى !!
لا زال لا يذكر تلك الجارة ، ولا تفاصيل جسدها ، ولا انحناءات جبال القوقاز من تحت رداءها الشفاف ، كيف أنها لا تبلس تنانيرها القصيرة إلّا في الأيام العاصفة ، كيف تذوب الأحرف عندما تتغنج بها ، بين تأوهات أنفاسها، حساسيتها من القطط
كيف تطبع أحمر الشفاه الصارخ على أطراف سجائرها ، أو ترسم قبلتها على طرف فنجان ..
لا يذكر رائحة اللافندر التي يتركها قميصها على سريره
ولا يذكر وشم الوردة على كتفها الأيمن
و لا همسها في أذنه نادني" ميلينا" يا عزيزي
لا يذكر الشامه التي سقطت سهوًا على عنقها ، ولا رغبته الملحة في إلتهامها ...
ولا تلك الوردات التي تسرقها من فمها لتضعها بين كتبه.
اللعنه حتّى ميلينا لم تعد تطرق الباب لتستعير طعام القطط ،
لا يعلم عنوانها الجديد ، رقم الرسالة ، لا يذكر تاريخ اليوم حتّى !!
لم يعد شاعِرًا ، لا يستطيع قِراءة كِتاب ، نسي كيف يكتب ، سيغرس القلم في قلبه يومًا ،
يشعر بالخيانة بمجرد التفكير،
( سأقطع لساني)
يشعر بالغثيان ، من نفسه ...
لا يشعر بالجوع ،
لم يشرب حليب كما اعتاد بداية كل صباح
ولا يشتم رائحة عفن تصدر من الصحون القذرة
المِغسلة محظورة
القلم ثقيل ، لا يستطيع حمله ،،
يحاول بكلتا يديه
تملّكه الخوف .......
خُلِع الباب
همس : إذهبوا إلى الجحيم
لم يسمعه أحد
صوت أجش ، كان هو الأقرب من نهيق البقية : خذوا إفادة الجيران ، و طوِّقوا الجثة لا يقترب أحد مِنها ،،،
جثّة ؟
- سيّدي لم أرى السيد ميكيله منذ مدّة ، لا يجيب لطرقات الباب حين أنادي عليه ، ولم يعد يأخذ زجاجات الحليب كما إعتاد .
- حسنًا من الجيد أنك تملك عقلا و أخبرتنا
- تنبعث رائحة خانقة في الممر ، كلّما مررت غرفته
- حسنًا
- سيدي السيد ميكليه دفع لأخر الشهر
- ارحل
- لم يستلم أي من زجاجات هذا الشهر
- ارحل قبل أن ارميك في السجن للتعفن
سحقًا !!
فِعلاً الرائحة لا تطاق
أخرج محقق الشرطة منديلاً نُقِش عليه وردة اللافندر ليكتم به أنفاسه
تنبعث من الجثة رائحة حرق
جثّة مشوهه
تفتقد لسانها
بخمسة أصابع فقط في اليد اليمنى
و قميص لا يخلو من بقع القهوة ،، و الحبر
لا أثر لجريمة قتل ، أو إنتحار
لا حبل مشنقة
ولا مسدس مرمي على الأرض
العديد من الأوراق التي بدأت بنفس السطر
و قط نحيل بني أغبر نهش إحدى قدميه حتّى سقط بجانبه
لا أدله لإقتحام المكان ، لا علامات خنق ، أو مقاومة
لا رماد حريق ولا كدمات .
رنّ هاتف المحقق ، رسالة تفوح منها رائحة الشموع و النبيذ الرخيص :
أنتظرك عزيزي ، لا تتأخر ..
- حسنًا يبدوا أنّها حالة إنتحار ، إنقلوا الجثّة إلى المحرقة ، لا داعي للتشريح ، لا أحد يسأل عن هؤلاء
وسط نظرات التعجب ، و قبل أن يغلق الكيس الأسود و يسود الظلام ، هرب قبل أن يحبسه سحاب كيس الجثث...
و طار من النافذة ممتطيًا الريح، بخفة متسللًا بعيدًا ، تاركًا رسائل بلا عنوان
فنجان، قهوته ترسبت مكونه مستنقعات في قعره ، كرسي خشبي صريره يصم الآذان، أظرف متناثره مبعثرة في الغرفة جثه بلا أصابع يمنى أو لسان ...
تعليقات