هل سأبقى في كهفي وحيدًا ؟
لا زلت لا أشعر بشيء منذ أيام
أصبحت جسدًا هامد
قتلتني الأفكار
و إضطهدتني
أصبحت شجرة خاوية نهشها السوس و هوت
شجرة بلا ظل
أسفل شمسٍ يبّست أغصانها
و ساقطت وريقاتها
منذ مدّة لم أتغطّى سِوى بخريف قاسٍ
و وسائد آلام
جفَّ حِبري
و بُري جسدي
كُسِّر رَصاصي
و تساقطت أورقي
و تناثرت
حملتّها ريح جافّة و باعدتها عن خربشاتي
لم أكن أنوي قط أن أعود للكتابة
أو للحديث مع أحد مرّة أخرى
عبرّت الصحاري القِفار
حافيّ القدمين
على الرمضاء أرقص لا مبالي
حتى وصلت لجبلٍ لم يسكنه إنسٌ قط
ولا أستطيع الحديث عن الجان
أسمع غِنائهم و نحيبهم
في منتصف الصحراء إنطويت في كهفي ..
لوحدي
لا أرغب بالبكاء
يكفي أخاديد تُرسم على خديّ
أناني بكل ما قد تحويه الكلمه من معنى
في هواءٍ تستنشقينه
في ممر تمشين فيه
في ضحكة لا أسمع موسيقاها
في عِطرك .. في نفسك .. فيك
شرقيٌ بحت ، جُبِلت على الغيرة
طبعٌ تطبعت به فصار طابعي
فكيف لي أن أتحمل أو أكتم
أن أبوح و لا أُرحم
أن أتوه و أُجرم
قلبك بارد من جليد زمرد
قلبي فاض حِمم و تمرد
سأدوس بقدميّ من أجلِكِ كلَّ عادةً جاهلة متوارثة
لأجلك
أنتِ لستِ بإمرأة عادية
فأشتاق لحديثنا أحيانًا
بضع ساعاتٍ من اليوم
و بقيته
لتلك اللهفة
اللهفة القديمة
لكيف كنتِ أنتِ أنا
و كيف كنتُ أنا أنا
لم أكن أرغب بالحديث
سكاكين تُغرس و تلِف فيّ
الصمت متعب .. لكنّه أرقى وسيلة للرد على كثير من الكلام
ألم تعلمي بأن عقارب الساعه نهشت قلبي ؟
ألم تعلمي أنني دفنت نفسي في تابوتٍ رث ؟
أو ثبّت مسامير نعشي بيدي هاتين ؟
بأنني رحلت مبتعدًا عن الجميع ؟
خلعت قلبي و وضعته جانبًا .. بجانب دفترٍ و قلم
و سلخت جسدي
و تجرّدت من وعاء روحي
حتى في ظلامي ظللت ..
فقأت عيناي .. لا حاجه لي بهما من بعدك
لم أكن أرى فيهم إلا سِواك
و لم أكن أرغب برؤيتك
بقلمي قفأتهما .. و أطعمتهم لكِلاب الغيرة الجائعة
أرأيت لو أُبدلتهم بماسٍ و ياقوت هل أرى ؟
" لا تصالح "
في كهف مظلم
أسودٍ ، عَفِن
في كهفٍ رطِب
بلا جلدٍ
بلا قلمٍ
أو عينين
خيّطت فمي
و إنهار على رأسي حَجر
سددت به مدخلي الوحيد و المفر
حتّى خُلِعت أظافري و تشققت أطرافي
هل تُجبر الخواطر بعد الكسر ؟
حفرت
حفرت
و حفرت
و دفنت جسدي
تطغى رائحة العفن في كهفي
أكاد أشعر بالعفونه تتغلل في رئتيّ
إشمئزاز و قشعريرة
يتناوبان على إحتوائي
لا هواء
لا رغبه لي بالحديث
أو رؤية أحد
لا أكاد أرى أطرافي
ظلمات
بعضها فوق بعض
لا مفر
لا مفر
ما العمل
ما العمل
شهيق
زفير
شهيق
الهواء ملوّث
قلبي لا زال نقيّ
لم يجرأ العفن على إستيطانه ... بعد
رفرفه جناحين
و صوت حياة
تَحِل عليّ
لا أعلم متى
فقدت الحِس بالوقت
لا زمان حيث أقبع
في اللا مكان
حمامةٌ بيضاء
يجب أن تكون بيضاء
ما البياض إلا هي
و كفى
بها عن البقية .. أحدًا
أظن ؟
حمامةٌ بيضاء
في مِنقارِها
غُصن زيتون
و سلام
في رِجليها
رُبطت رِسالة
لا عينين لي لا أقرها
و لا فاه لحديث ينصِفها
في ثغر على جبهة الألم حُفر
بمعولٍ و منقار
أصبحت الأيام شموسًا تحرِق وجهي
و من ثغرِها و تخرِق عظمي المشوّه
لم أعدّ الأيام
منذ دفنتُ نفسي وحيدًا حتى اليوم
لا أعلم كم لبثت
أعدّ الشموس
و الطعون
تلك الشموس اللاتي وعدتُكِ يومًا بأنني سأغزوها
فقط لأجلكِ
إستحلت غرس أشعتها في جبيني
لم يبقي في جبيني مكان
لم أكن أعلم بأن الحياة متعبة .. قاسية
أذكر عنِدما لساني يلهث بدعاءه لربّه حينما أراك
" اللهم أشكو إليك ضعف قوّتي و قلّه حيلتي "
لا أعلم ماذا سأفعل في المرّة القادمة ؟
بعد أن بتّرت لِساني و قفأت عيناني
هل سأراك بقلبي ؟
او ربما هل سينبض في وريدي لحنًا موسيقيًا ينطق على هيئة دُعاء ؟
أنتي ضعفي
وفي عيناك تنفك سلسة حيلي لتتناثر بين قدميك
جسدٌ بلا روح
راحت الروح
و رحلت
حتى فيكِ إستوطنت
هل سأُفنى هنا وحدي في كهفي ؟
لا أعلم هل ستعود الحمامة مرّة أخرى؟
هل سأقراء رِسالتها بالماسِ و الزمردا ؟
غزاني الشيب و الحنين
و ظللت أرتل اللحن الحزين
أين الصديق و الحبيب ... يكفي أنين !!
سأنقش على الحجر علّها توجد بعد بضع سنين
و يصبح كهفي مزارًا للمشتاقين
للحالمين الهاربين
إذا صمتُ يومًا و لم أتحدث .. فلا ينقطع قلبك من الإصغاء إلى قلبي ..
علّنا لم نتحدث منذ مدّة
حتّى و نحن لا نتكلم .. يدور بيننا حِوار بِلا كلِمات
لكن ..
لا أرغب بالحريّة .. بل أن نظل سويًا في كهف منبوذ .. مغلق و بالحجارة موصد .. بعيدًا عن الجميع .. أن تحوِّل كتفي وسادةً لها و من شعرِها غِطاء لي
لا زلت لا أشعر بشيء منذ أيام
نفس عميق مصحوب بوجع
خذني من ضيقتي لمتسعك ولا تتركني وحيدًا
أنا تلك الوردة الجافة في كِتابك
و الصفحة المطوية التي تخاف أن تنساها
إبتعدت عن الجميع .. إلّا من طيفك
ها هنا أنا في كهفي موقِنًا بأنني لست كما كُنت
بأنني بنيت طموحاتي و آمالي على أُسس متداعيه
بأنني صِمت عن الحديث مع الجميع .. إلا في خيالاتي معك .. ولن يبطل العجب .. فلن يُعرف السبب
أخطئت حينما خطت من نجوم السماء سِلسالًا لكِ ..
" أرجو العكس "
هل فِعلاً تريدين الرحيل ؟
فلتبقي لي بقايا من رسائلك القديمة
و نفحات من عِطرك ..
هلاّ أسمعتني ضِحكتك ؟
حتى أصبّ الحديد من بعدها في أُذنين ؟
حتى يظل صداها يتردد فيّ
حتى تكون أخِر ما أسمع
هل رحلتي ؟
أوصيك بها بأصابع ترتعش
تجاهد لإختتام وصية وحيدٍ في كهف
لا تنسِ تلك المضغة التي تنبض في صدري !!
إعتني بها فمنذ أن رأيتك فقدت ملكيّتها
تعليقات